منير البعلبكي... شيخ المترجمين العرب

إن لم تكن قد سمعتَ بالأديب والمترجم منير البعلبكي فلا بد أنك استعنتَ أو على الأقل سمعتَ بمورده الشهير في رحلتك لتعلم اللغة الإنجليزية، فلا يكاد يخلو بيت عربي من هذا العمل الفذ الذي عمل شيخ المترجمين العرب، منير البعلبكي على تأليفه فأحسن تأليفه وتنظيمه وتبويبه، فكان قاموس المورد رفيقًا للطلاب والباحثين والعلماء والأدباء، الذين يدينون له بالفضل في تسهيل تعلمهم للغة الإنجليزية.

النشأة والدراسة والعمل
منير البعلبكي أديب ومترجم لبناني، اشتهر بمؤلفه الهام قاموس المورد الذي يعد أحد أشهر القواميس العربية الإنجليزية وأكثرها انتشاراً.
تمتد أصول أسرة منير البعلبكي إلى منطقة بعلبك في لبنان التي انتقلت إلى بيروت حيث ولد فيها منير سنة 1918، وفيها درس الأدب العربي والتاريخ الإسلامي في الجامعة الأمريكية في بيروت وتخرج منها سنة 1938. تميز البعلبكي بالتفوق في دراسته وكان من تفوقه يدّرس الصف الذي تخرج منه هو لا يزال طلباً. ولم تكن اللغة الإنجليزية وآدابها محور دراسة البعلبكي الجامعية ومع ذلك فقد برع في هذا المجال حتى أن الجامعة عينته أستاذا فيها.
انتقل البعلبكي بعدها إلى العراق ليدرس في كلية الملك فيصل ثم إلى سوريا ليدرس في الكلية الوطنية العلمية ثم عاد إلى لبنان ليدرس في كلية البنات الأهلية وكلية المقاصد الخيرية الإسلامية ببيروت.
بعد ذلك، ترك البعلبكي مهنة التدريس وعكف على التأليف والترجمة والنشر وأسس دار العلم للملايين سنة 1945 مع صديقه بهيج عثمان.

أعماله
ترجم منير البعلبكي العديد من الكتب الإنجليزية الهامّة إلى اللغة العربية ومنها قصة تجاربي مع الحقيقة لمهاتما غاندي والإسلام والعرب لروم لاندر وتاريخ الشعوب الإسلامية لمؤلفه كارل بروكلمان، ودفاع عن الإسلام لفاجليري وحياة محمد ورسالته لمولانا محمد علي وكيف تفكر لجيبسون ورواد الفكر الاشتراكي للكاتب ج. د. ه. كول.
كما ترجم عدداً من روايات الأدب العالمي ونذكر منها البؤساء لفكتور هوغو التي ترجمها كاملة في خمسة مجلدات وكذلك أحدب نوتردام للكاتب نفسه وقصة مدينتين وأوليفر تويست لتشارلز ديكنز وكوخ العام توم لهارييت ستاو ووداعًا للسلاح وعبر النهر ونحو الأشجار والشيخ والبحر وثلوج كليمانجارو للكاتب أرنست همنغواي وأرض المآسي وبيت في المرتفعات وأرض الله الصغيرة و طريق التبغ للكاتب إرسكين كالدويل والأرض الطيبة لبيرل بوك وشارع السردين المعلّب للكاتب جون شتاينبك والمواطن توم بين للكاتب هاوارد فاست وجين إيير لتشارلوت برونتي.
وكما ذكرت سابقاً، يعتبر قاموسه الفذّ المورد، أحد أهم القواميس الإنجليزية – العربية ولا تزال تحديثاته المتلاحقة تصدر باستمرار لمواكبة تطور اللغة الإنجليزية ونقله إلى العربية.
وعن قصة تأليفه لقاموس المورد يذكر البعلبكي، في مقابلة مع مجلة العربي (العدد 417 سنة 1993)، كيف كانت بدايته مع القاموس، حيث أنه كان يواجه - كغيره من المترجمين- عدم وجود المراجع والقواميس الكافية، مما دفعه لاستنباط مصطلحات جديدة عند عدم وجودها في المعاجم التي كانت متوفرة، وبعد تراكم هذه المصطلحات لديه، جمعها في قاموس لمساعدة القراء والمترجمين والباحثين والأدباء ومتعلمي اللغة الإنجليزية الذين أصبح عددهم في ازدياد، فجاء القاموس تتويجاً لخبرته الطويلة في الترجمة ثم أتبعه بإصدار موسوعة المورد التي سدّت فراغًا كبيراً في المكتبة العربية.

منهجه وأسلوبه في الترجمة
يقول عنه الأستاذ هاشم قاسم، أحد الأساتذة الكبار الذين اهتموا باللغة العربية وتطويرها، تحدّر منير البعلبكي ثقافياً وأدبياً من جيل التحفز والنهوض والبحث عن الجديد، فضلاً عن الرصانة الأكاديمية والدقة العلمية وعمق الثقافة لأنه عاش قيم الانفتاح الثقافي والفكري والأدبي وأدرك ضرورة التواصل والتفاعل مع الفكر التاريخي الغربي والعالمي، خاصة أن بيئته كانت تدفعه دومًا إلى ضرورة الاطلاع على آداب الشعوب الأخرى ولغاتها وفضاءاتها الفكرية والإنسانية، فشكلت ترجماته مادة أساسية في ثقافة جيل الخمسينات والستينات.
كان البعلبكي يؤمن بضرورة وجود مؤسسة مركزيّة عربيّة لدعم الترجمة والتركيز عليها واختيار المواد والنصوص وتجنب تكرار الترجمات السابقة، كما دعم قضية تدريس الترجمة في الجامعات إلى أن أصبحت مقرراً يدرس في الجامعات.
كان للبعلبكي أسلوبه في الترجمة فقد عارض فكرة "الترجمة بتصرف" وخصوصًا من قبل من لا يتلقن اللغة المصدر، كما اعترض أيضًا على فكرة الترجمة الحرفية حيث كان يرى أن لكل لغة رموزها التي تتعدّى الكلمات المعجمية واختلافها عن اللغات الأخرى في طريقة توظيف التعابير التي تتماشى مع هذه الرموز والأفكار.
وكان يرى أن الترجمة الناجحة هي التي تكون مخلصة للنص الأصلي وتعتمد على معرفة جيدة بثقافة اللغتين المُترجم عنها والمترجم إليها، لأن نقل المعنى نفسه يحتاج إلى تعابير مختلفة في كل من اللغتين لتجنب تشويه المعنى الذي أراده مؤلف الكتاب الأصلي.
ووفقاً لهذه الرؤية ، أكبّ البعلبكي على ترجمة أعمال أدبية عالمية وعمل كحلقة وصل بين اللغتين العربية والإنجليزية من خلال أعماله وترجماته للكثير من الأعمال الأدبية العالمية التي ظل يعمل بها إلى دخل في غيبوبة استمرت لسنة ونصف انتهت بوفاته سنة 1999.

جوائز وإنجازات
حصل منير البعلبكي على العديد من الجوائز ومنها جائزة سيعد عقل وجائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، وجائزة أصدقاء الكتاب وجائزة الناشرين العرب وشارك في تأسيس العديد من الهيئات الثقافية والجمعيات الفكرية ومنها اتحاد الكتّاب اللبنانيين وجمعية أصدقاء الكتاب ومجلة العلوم ومجلة الآداب التي أصبحت لاحقاً أحد أهم المجلات الأدبية في العالم العربي، كما انتخب عضوًا في مجمع اللغة العربية في القاهرة سنة 1982.