عادل زعيتر... الناقد والأديب والمترجم الذي لم يُنصَف

حين يجتمع الأدب والفكر مع الترجمة فسوف تكون الحصيلة مُبهرة، الأمر الذي نلمسه جميعًا في ترجمات المفكر الفلسطيني البارز عادل زعيتر، ولمن لا يعرفه فهو من وصفه الأدباء بـ "شيخ المترجمين العرب" لما أضافه إلى المكتبة العربية من قيمةٍ فكريةٍ عظيمة تتمثل في ترجمته لعددٍ من المؤلفات العظيمة، فإذا أحببت أن تستكشفَ المزيد عن هذه الشخصية الفذة، فتابع معنا نبذةً عن رحلة حياته عبر السطور التالية.

بصماتٌ واضحةٌ ومؤثرةٌ منذ النشأة
في جولةٍ قصيرةٍ حول نشأة عادل زعيتر نلمحُ الكثير من البصمات الإيجابية التي كان لها تأثيرها الواضح على نشأته، فقد وُلد عام 1895م في بيت يتَّسم بالعلم والسياسة والدين والقانون، لأبٍ كان يعمل في مناصب القضاء ورئاسة بلدية نابلس، وأخٍ شغل عدة مناصب سياسية رفيعة، فضلًا عن الكثير من المؤلفات الخاصة به حول القضية الفلسطينية، وهو المؤرخ السياسي الأديب "أكرم زعيتر".

ولدراستهِ أيضًا بصمةٌ
هي رحلة تعليمية طويلة تكللت بالنجاح والتفوق، وساهمت أيضًا في صقل شخصية عادل زعيتر واهتمامه بالفكر والترجمة والأدب والسياسة وكان إتقانه لأكثر من لغة نافذةً لإثراء المكتبة العربية بروائع مترجمة في الشرائع والفلسفة.

وإليك جانب من رحلته التعليمية، حيث درس علومه الأولى في مدرسة النجاح الوطنية في نابلس، ثم انتقل إلى المكتب السلطاني في بيروت وتتلمذ على يد العلامة اللغوي "مصطفى الغلاييني"، ثم انتقل إلى الجامعة السلطانية في اسطنبول، وحصل منها على الشهادة العليا في الآداب باللغة التركية، ثم حصل على شهادة الحقوق من باريس في عام 1925م.

جديرٌ بالذكر أن عادل زعيتر أتقن الكثير من اللغات طوال رحلته التعليمية وهي الإنجليزية والتركية والفرنسية والألمانية، وإننا لنلاحظ أن معظم تراجمه كانت عن الفرنسية ثم الألمانية.

عادل زعيتر همَّةٌ تناطح السماء ومنهج قَيّمٌ يُحتذى
حين تقرأ السيرة الذاتية للمترجم عادل زعيتر فإنك تشعر بالفخر والعزة والهمة التي تناطح السماء، والانتماء القوي إلى العروبة، وفي الموقف التالي ما يعضد هاتهِ السمات، حيث أطلق أحد أصدقائه عليه لقب "الأديب النابلسي" نسبة إلى مسقط رأس عادل زعيتر الذي اعترض موجهًا كلامه إلى صديقه قائلًا: يا أستاذ: نحن أدباء عرب، ننتمي إلى أمة العرب الكبرى، فلا تسخطنا بحصرِنا في مدننا وقرانا!

حين شارف عادل زعيتر على الخمسين من عمره، اعتزل المحاماة -رغم أنه كان من أعلامها- وعكف بشكلٍ كلي على الترجمة باذلًا أقصى ما عنده من وقت وجهد ومال، وقد وصفه الكيلاني قائلًا إنه كان ذو طاقة جبارة، يعمل في البحث والقراءة والكتابة ما يقرب من اثنتي عشرة ساعة يوميًّا!

يمتاز عادل زعيتر في ترجماته بالكثير من المواصفات ذات القيمة، والتي نذكرها فيما يلي لتكون نبراسا للمترجمين الذين يطلبون العلا ويبحثون عن التميز والإبداع في أعمالهم:
• العزيمة والإصرار والإتقان في تعلم العلوم واللغات مهما كان عمره.
• انتهاج الأسلوب الراقي ذو المستوى العالي في ترجماته.
• التبحر في الثقافات الأجنبية، وقد ساعده في ذلك إتقانه للكثير من اللغات، الأمر الذي أتاح له سهولة الاطلاع على آداب الشعوب وعلومها.
• انتقاء الكتب التي يرغب في ترجمتها بحيث تكون مما تحتاج إليه الأمة العربية لتقدُّمها ونهضتها، وبحيث لا يكون لها نظير في لغتها.
• الدقة البالغة في فهم النص والنفاذ إلى روح كاتبه، ثم انتقاء المفردات المقابلة لها في اللغة العربية، واختيار المعاني وضبط الألفاظ وشرح الغامض منها.
• عدم الاكتفاء بالترجمة، بل إبداء رأيه بين الحين والآخر سواء بالتأييد أو المعارضة، الأمر الذي جعل ترجماته حافلةً بآرائهِ وتعليقاته وتصويباتهِ القيمة.
• حرصه على الإكثار من أعماله مع الإجادة والإتقان، وفي ذلك أنه قال لأخيه "أكرم" ذات مرة: "حين يبلغ ارتفاع كتبي مرصوصة بعضها إلى بعض طول قامتي ينتهي أجلي".
• القراءة الكثيرة في موضوع الكتاب الذي يرغب في ترجمته حتى يلم بأطراف الموضوع، كما كان يسأل أهل الاختصاص لإيمانه بأن المعرفة لا تكتمل لإنسانٍ أيًّا كان مقامه.

ترجماتٌ بمثابة كنز قيم في المكتبة العربية
تدهشك السيرة الذاتية للمترجم عادل زعيتر إذ أنها مفعمةٌ بأكثر من ثلاثين كتابًا مترجمًا بعناية من كبرى المؤلفات الغربية، التي تقدم لقرائها الكثير من القيم والحضارات والعلوم نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
• أصل التفاوت بين الناس/ المؤلف جان جاك روسو.
• روح الثورات والثورة الفرنسية/ المؤلف جوستاف لوبون.
• حياة الحقائق/ المؤلف جوستاف لوبون.
• السنن النفسية لتطور الأمم/ المؤلف جوستاف لوبون.
• الحياة والحب/ المؤلف إميل لودفيج.
• الرسائل الفلسفية/ المؤلف فولتير.
• مجالي الإسلام/ المؤلف حيدر بامّات.
• ابن خلدون وفلسفته الاجتماعية/ المؤلف غاستون بوتول.
• أصول الفقه الدستوري/ المؤلف ايسمن.
• ابن سينا/ المؤلف البارون كرادوفو.

وهذا غيض من فيض، ينتهج فيه عادل زعيتر أسلوبًا خاصًا به دقيقًا للغاية يبدأ فيه بالتعريفِ بمؤلف الكتاب الذي بصدد ترجمته، ثم التعريف بالكتاب وأسباب تأليفه، ثم الدوافع التي حملته على ترجمة الكتاب.

لقد ظل عادل زعيتر -بعد اعتزاله المحاماة- منكبًّا على الترجمة حتى وفاته، وكان يعكف آنذاك على ترجمة كتاب "مفكرو الإسلام" للمؤلف الفرنسي "البارون كرادوفو"، كما كان يأمل أن يترجم عدة كتب أخرى وضعها في خطته، ولكن الأزمة القلبية لم تمهله حيث توفي في 21 تشرين الثاني 1957م.

جديرٌ بالذكر، أنه كلما أبحرت أكثر في السيرة الذاتية للمترجم عادل زعيتر، كلما وجدتَ طموحًا فريدًا من نوعه يحفزك بشدة إلى أن تضعَ أنت أيضًا بصمتك الخاصة في هذه الحياة.